الفلسفة اليونانية القديمة في احشاء الفكر العربي و الأسلامي
الفلسفة اليونانية القديمة في احشاء الفكر العربي و الأسلامي
The Ancient Greek Philosophy inside the Arabic and Islamic Thought
Η Αρχαία Ελληνική Φιλοσοφία στα σπλάχνα της Αραβικής και Ισλαμικής Σκέψης
نشأ علم القواعد العربية بهدف تلافي و تفادي الأخطاء التي كانت تُلاحظ من بعض العرب و الموالي عند قراءتهم للنصوص القرآنية ، الا أن جميع المصادر العربية اتفقت بأن المحاولة الأولي في هذا الأتجاة للبحث عن وضع قواعد العلم الجديد كانت عام 688 ميلادية علي يد أبو الأسود الدوالي الذي اقترح استخدام علامات تصحيحية تُكتَب وتُوضَع في نهاية كل كلمة قرآنية ، و هذة العلامات مُحَدَدة بهدف توضيح نهاية الكلمة و طريقة نُطق اللفظ ، أي في حالة الرفع (الفاعل) و علامة أُخري توضع في حالة الجر و المضاف إلية و علامة ثالثة توضع في حالة المفعول بة .
و قد شَهَدَت الروايات التاريخية بأن أبو الأسود كان يعيش في الكوفة بالعراق حيث ولد هناك علم القواعد ، بل وتطور علم القواعد في منطقة ما بين النهرين
و ظهر ذلك لأول مرة عندما استَخدَم بعض القواعد اليونانية و تطبيقها في قواعد العلم الجديد.
و اعتقد أن اقتحام الفلسفة اليونانية داخل الحدود الجغرافية الأسلامية قد ساعد بقوة علي ظهور علم جديد و هو (علم الكلام) و موضوعات العلم الجديدة التي كانت تتضمن: -
(حرية الرأي و الفكر ، مسئولية الإنسان ، العدالة الإلهية ، القضاء و القدر)
و موضوعات أخري عديدة.
و من خلال الحوار بين علماء الجانبين المسلمين و المسيحيين ظهر علم الكلام
و أصبحت اللغة العربية (اللغة العالمية) أي لغة الحوار في هذا العصر ، بل
و انتشرت اللغة (لغة الإسلام) في كل أرجاء العالم العربي
(مصر و سوريا حتي وصلت الي بلاد فارس و الأتراك و شعوب أخري كانت تحت رعاية الدولة الإسلامية )
و خاصة دول شمال أفريقيا و مناطق أخري بها مسيحيين و يهود .
و بالرغم ذلك فأن العرب قد حافظوا بشرف علي عادات و تقاليد هذة الشعوب
و احترموا تاريخها ، بالإضافة الي أن العرب قاموا بحماية المخطوطات القديمة التي تمثل الفكر الفلسفي اليوناني القديم بل و ترجمتها و شرحها و تحليلها ، بل
و حفظوا علي التراث اليوناني و قدموة الي الغرب.
و لتسمحوا لي هنا أن أسترجع قول الفيلسوف و المؤرخ الإسلامي القديم
(ابن النديم) في القرن العاشر حينما ذكر الفلسفة اليونانية و إعجابة بالفيلسوف اليوناني / أرسطو قائلا :-
(إنها كلمات مضيئة بالحكمة ، لم أري مثيلا لها قط ،
و ستصبح معجزة لو استطاع أحد أن يقرأها باللغة المكتوبة بها ، أي اللغة اليونانية) .
العصر الأموي
و حين بدأ العصر الأموي من عام 661 حتي عام 750 ميلادية ، وفي هذة الفترة امتدت حدود الدولة الإسلامية بحيث أصبحت جُغرافياً من الصين حتي أسبانيا
و دخل الفكر الإسلامي في مجموعة حضارات عديدة مثل الحضارة المصرية القديمة ، الحضارة الإغريقية ، الحضارة البيزنطية ، الحضارة الشرقية ،
و استطاع الفكر الإسلامي أن يربط بين هذة الحضارات بفكر مشرق منير ، حيث بدأت مرحلة الصراع الفكري و الحوار اللاهوتي بين العلماء المسلمين و العلماء المسيحيين في ذلك العصر ، و لاننسي دور يوحنا الدمشقي الذي كان يعمل مستشاراً للخليفة و اسهامه في هذا الحوار المتفجر العنيف ، و مازالت توجد حتي الان نصوص و مخطوطات فلسفية تسجل هذا الحوار المشتعل بين الفكر الإسلامي و الفكر المسيحي في ذلك الوقت.
العصر العباسي
و في العصر العباسي من عام759 ميلادية حتي القرن الرابع عشر، حيث أنشئت العاصمة الجديدة للإسلام في قلب فارس (بغداد حالياً) و أصبحت بغداد مصدر إشعاع حضاري ثقافي جديد في قلب قارة اسيا ، و مما لا شك فية أن أنتقال عاصمة الدولة الأسلامية من دمشق الي بغداد كان لها تبعات سياسية و اجتماعية
و تاريخية ، و منذ اللحظة الأولي للعصر العباسي ظهر الدور الفارسي الذي كان يسعي الي سيادة المُلك و السعي وراء حلم قديم لإنشاء حركة و حدوية ، كما حدث في عصر الإسكندر الأكبر و ظل هذا الحُلم القديم يراودهم ، و عاشوا سنوات ينتظرونة لتطبيق شعار الأخوة و المساواة و بذلك وجدوا في الدين الإسلامي الحنيف ضالتهم المنشودة .
و قد ذكر القرآن ذلك في آية ذو القرنين حيث اعتبرت الروايات الفارسية التاريخية القديمة أن هذا الدور لعبة (قورش الثاني) في حين أن الروايات اليونانية التاريخية تؤكد أن هذا الدور قد قام بة (الأسكندر الأكبر) هذا بخلاف الروايات اليهودية الأخري ، و لكن القرآن أكد أنها مشئية من الله .
و عندما نري النصوص اليونانية القديمة نجد ان (بلوتارخوس) المؤرخ اليوناني ذكر أن الأسكندر الأكبر كان يؤمن بأن الله خلق الأنسان علي صورتُة و أن الجميع متساويين أمام الله و بالتالي فأن دخول العنصر الفارسي في الدين الأسلامي كان من أجل تعاليم الأسلام السمحة و هي : -
( الإخاء ، المساواة أمام الله ، و لافرق بين أعجمي و عربي الا بالتقوي).
و من هذا المنطق بدأ عصر جديد و ميلاد جديد في بغداد عاصمة الدولة الأسلامية و ازدهرت العلوم و الفكر و الثقافة ، لتصبح مركز إشعاع حضاري، و ظهر علم الكلام كعلم جديد ينبثق من اللاهوت ، و بدأ الداعين لهذا العلم الجديد في تكوين القواعد الأساسية لهذا العلم معتمدين بذلك علي ترجمات الفكر اليوناني القديم ،
و انطلق هذا العلم لأول مرة ليعطي ابعاداً جديدة في تاريخ الفكر الفلسفي ، مما دفع الدولة الاسلامية لأنشاء أكاديمية للبحث العلمي لأول مرة تحت اسم (بيت الحكمة) في بغداد ، و قاد الخليفة المأمون الحركة العلمية الثقافية ، حيث كان عالماً
و حكيماً و عاشقاً للفكر و الثقافة و لذلك أرسل بعثات إلي القسطنطنية و قبرص لشراء جميع المخطوطات اليونانية القديمة التي كانت تشمل (جوهر الفكر الفسلفي اليوناني القديم) و عادت بعثة الخليفة إلي بغداد حاملة الالاف من المخطوطات اليونانية القديمة التي كانت تمثل المصادر الاساسية للفكر الهيليني ، و تم نقلها علي مئات من الجمال الي العاصمة بغداد ، حيث استقبلها الخليفة بنفسة و سط استقبال رسمي و شعبي حافل.
و الجدير بالذكر أن هذة المخطوطات كانت مهملة في أحد المعابد القديمة و بعد مرور عشرات السنين قام القديس (فوتيوس) بطريارك القسطنطنية عام 858 ميلادية و هو أحد عظماء الكنيسة و الذي كان محباً للفكر و احياء العلوم ، حيث رأي أن هذة الكتب لها قيمة لا تقدر و بالتالي أرسل بعثة لمحاولة إعادة هذة المخطوطات مرة ثانية و لكن لم يستطع البطريارك فوتيوس أن يحصل علي اكثر من 279 مخطوطة ، و نستخلص من ذلك أن المخطوطات اليونانية القديمة و الفكر الفلسفي اليوناني القديم و التراث بأكملة قد ظل في بيت الحكمة ببغداد و مازالت
هذة المخطوطات اليونانية القديمة تعيش الي يومنا هذا في أحشاء الفكر العربي و الاسلامي.
أني هنا أقدم مثالاً أخر رائعاً في سماء الفكر الأسلامي و هو العالم الإسلامي
(ابن الرشد). و أذكر هنا مقولة دانتي الشهير
“AVVEROIS CHE I GRAND COMENTO FEC”, CANTO IV
(DANTE)
"إن ابن الرشد قد وضع بأعمالة و فكرُة حجر البناء الأول في الفكر الفلسفي الأوروبي حين ترجمت أعمالة الي اللغة اللاتينية:
و لم يكتفي العرب بذلك بل اهتموا اهتمام شديد بعلم النبات عند المفكر اليوناني ديسقوريدي ، و أذكر هنا أن الخليفة الأسلامي في أسبانيا طلب من "رومانو" إمبراطور الدولة البيزنطية أن يرسل لة مترجم بيزنطي وقام رومانو بارسال الراهب نيقولا الي اسبانيا و ترجم جميع اعمال ديسقوريدي من اليونانية الي اللاتينية .
هذة العلاقة قد استمرت قرون طويلة و مازالت حتي الان ظاهرة حية وواقعية الي يومنا هذا.
أن العنصر اليوناني و الفلسفة اليونانية كانت و مازالت في موقع الصدارة في الفكر و الفلسفة العربية بل هو مصدر ترحيب طيب يحتل موقع هام في وجدان وضمير الأمة العربية أن الفلسفة اليونانية و الفكر اليوناني هو عنصر اساسي لاستكمال المعارف في جميع الجامعات العربية .
و الجدير بالذكر أن الفكر اليوناني قد اعتمد علي مدرستين : الأولي هي المدرسة الاسكندرية التعليمية و الفكر السكندري ، و الثانية هي المدرسة الأثينية التعليمية و الفكر الأثيني. و من هنا نجد أمامنا أن الفلسفة الأسلامية قد رحبت بالفكر الأرسطي و الفكر اليوناني القديم بل أضافت اصطلاحات فلسفية يونانية الي الفلسفة العربية و الأسلامية مثل
(الكون – الكائن – اللاكائن – الكينونة – الكونية)
*Δεν – Ον – Εν – Ειναι *
بل قامت الفلسفة العربية و الأسلامية بعمل مصالحة تاريخية بين أفلاطون
و أرسطو ووصلت قمة الفلسفة العربية و الأسلامية الي مبدأ
الصفاء في الأيمان يعني الوصول الي الحكمة و الحقيقة
Η γνησιότητα της πίστεως σημαίνει και γνησιότητα της σοφίας
Purity of faith means purity of wisdom
المراجع
-الإسلام والبعد السياسى والاجتماعى- الدكتور/ أمين أحمد عزالدين- صدر فى أثينا عام 1986 م
-فلسفة التاريخ الإسلامى- الدكتور/ أمين أحمد عزالدين- صدر فى أثينا عام 1994م
-الإسلام والعلوم الإسلامية- الدكتور/ أمين أحمد عزالدين- صادر فى أثينا عام 2000م – اول كتاب عن الاسلام باللغة اليونانية تحت اشراف الأزهر الشريف
- قضية العرب والعروبة- جريدة الرأى العام القاهرية-
للدكتور/ أمين أحمد عز الدين
عابر سبيل
أ.د. أمين عزالدين
**********************************